الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ الجبرتي المسمى بـ «عجائب الآثار في التراجم والأخبار» (نسخة منقحة)
.من مات في هذه السنة ممن له ذكر: ومات الفقيه الفاضل العلامة الشيخ علي بن عبد الرحمن بن سليمان ابن عيسى بن سليمان الخطيب الجديمي العدوي المالكي الأزهري الشهير بالخرائطي، ولد في أول القرن وقدم الجامع الأزهر فحضر دروس جماعة من فضلاء العصر ولازم بلدية الشيخ علي الصعيدي ملازمة كلية ودرس بالأزهر ونفع الطلبة، وكان إنساناً حسناً منور الشيبة ذا خلق حسن وتودد وبشاشة ومروءة كاملة، وكان له ميل تام في علم الحديث ويتأسف على فوات اشتغاله به ويحب كلام السلف ويتأمل في معانيه مع سلامة الاعتقاد وكثرة الإخلاص. توفي عشية يوم الأربعاء ثاني المحرم افتتاح سنة 1185. ومات الإمام العلامة الفاضل المحقق الدراك المتفنن الشيخ محمد بان إسمعيل بن محمد بن إسمعيل بن خضر النقراوي المالكي، كان والده من أهل العلم والصلاح والزهد عن جانب عظيم، وعمر كثيراً حتى جاوز المائة وانحنى ظهره، وتوفي سنة 1178. تربى المترجم في حجر أبيه وحفظ القرآن والمتون وحضر دروس الشيخ سالم النقراوي والشيخ خليل المالكي وغيرهما، وتفقه وحضر المعقول على كثير من الفضلاء، ومهر وأنجب درس، وكان جيد الحافظة قوي الفهم والغوص على عويصات المسائل ودقائق العلوم مستحضراً للمسائل الفقهية والعقلية، ولما بلغ المنتهى في العلوم المشهورة تاقت نفسه للعلوم الحكمية والرياضية، فأحضره والده للشيخ الوالد سنة 1171 والتمس منه مطالعته عليه، فأجابه إلى ذلك ورحب به، وكان عمره إذا ذاك نيفاً وعشرين سنة. ولما رأى ما فيه من الذكاء والنجابة والقوة الاستعدادية والجد في الطلب اغتبط به كثيراً وصرف إليه همته وأقبل عليه بكليته وأعطاه مفتاح خزانة بالمنزل يضع فيها كتبه ومتاعه، واشترى له حماراً ورتب له مصروفاً وكسوة، ولازمه ليلاً ونهاراً ذهاباً وإياباً حتى اشتهر بنسبته إليه، فكان يرسله في مهماته وأسراره إلى أكابر مصر وأعيانها مثل علي بك وعبد الرحمن كتخدا وغيرهما، فيحسن الخطاب والجواب مع الحشمة وحسن المخاطبة مع معرفتهم بفضله وعلمه، وكانوا يكرمونه. ومدحهم بقصائد لم أعثر على شيء منها للإهمال وطول العهد، فكان لا يذهب إلى داره إلا في النادر بعد حصة من الليل، ويرجع في الفجر وينزل إلى الجامع بعد طلوع النهار، فيقرأ درسين ثم يعود في الضحوة الكبرى فيقيم إلى العصر، فيذهب إلى الجامع فيقرأ درساً في المعقول ثم يعود. وهكذا كان دأبه إلى أن مات. تلقى عنه فن الميقات والهيئة والهندسة وهداية الحكمة وشرحها القاضي زادة والجغميني والمبادي والغايات والمقاصد في أقل زمن، مع التحقيق والتدقيق، وحضر عليه المطول والمواقف والزيلعي في الفقه برواق الجبرت بالأزهر وغير ذلك، كل ذلك بقراءته، وعانى علم الأوفاق وتلقاه عن الشيخ المرحوم حتى أدرك أسراره وأقبلت عليه روحانيته. وأجازه الملوي والجوهري والحفني والعفيفي وغيرهم، ولما نفي علي بك إلى النوسات إلى الشيخ فطلب منه أشياء يرسلها إليه مع المترجم، فأرسله إليه وأقام عنده أياماً ورجع من غير أن يعلم أحد بذهابه ورجوعه، وكان يكتب الخط الجيد وجوده على الشيخ أحمد حجاج المعروف بأبي العز. وكتب بخطه كثيراً وألف حاشية على شرح العصام على السمرقندية وأجوبة عن الأسئلة الخمسة التي أوردها الشيخ أحمد الدمنهوري على علماء العصر، وأعطاها إلى علي بك وقال له: أعطها للعلماء الذين يترددون عليك يجيبوني عنها إن كانوا يزعمون أنهم علماء، فأعطاها علي بك للشيخ الوالد وأخبره بمقابلة الشيخ الدمنهوري، فقال له: هذه وإن كانت من عويصات المسائل يجيب عنها ولدنا الشيخ محمد النقراوي. والخمسة الأسئلة المذكورة: الأول في إبطال الجزء الذي لا يتجزأ. الثاني في قول ابن سينا ذات الله نفس الوجود المطلق ما معناه. الثالث في قول أبي منصور الماتريدي معرفة الله واجبة بالعقل مع أن المجهول من كل وجه يستحيل طلبه. الرابع في قول البرجلي إن من مات من المسلمين لسنا نتحقق موته على الإسلام. الخامس في الاستثناء في الكلمة المشرقة هل هو متصل أو منفصل. فأجاب عنها بأجوبة منطوية على مطار الأنظار دلت على رسوخه وسعة اطلاعه وغوصه ومعرفته بدقائق كلام أذكياء الحكماء والمتكلمين وفضلاء الأشعرية والماتريدية. وعانى الرسم فرسم عدة بسائط ومنحرفات وحسب كثيراً من الأصول والدساتير، وتصدى لتعليم الطلبة الذين كانوا يردون من الآفاق لطلب العلوم الغريبة، وكتب شرحاً على متن نور الإيضاح في الفقه الحنفي باسم الأمير عبد الرحمن كتخدا، وله رسالة سماها الطراز المذهب في بيان معنىالمذهب، وهي عبارة عن جواب على سؤال ورد من ثغر سكندرية نظماً وكان له سليقة جيدة في النثر والنظم، ولما ورد إلى مصر محمد أفندي سعيد قاضياً في سنة 1181 امتدحه بقصيدة بليغة لم أعثر عليها وكان به حدة طبيعة وهي التي كانت سبباً لموته، وهو أنه حصل بينه وبين الشيخ البجرمي منافسة فشكاه إلى الشيخ الدمنهوري وهو إذ ذاك الشيخ الجامع، فأرسل إليه فلما حضر عنده في مجلسه بالأزهر فتحامل عليه فقام من عنده وقد أثر فيه القهر ومرض أياماً، وتوفي في شهر جمادى الثانية من السنة. واغتم عليه الشيخ المرحومي غماً شديداً وتأثر لفراقه وحزن لموته وتوعك أياماً بسبب ذلك. ومات الإمام الفقيه العلامة المفتي الشيخ إبراهيم بن الشيخ عبد الله الشرقاوي الشافعي تفقه على علماء عصره وحضر دروس الأشياخ المتقدمين كالملوي والحفني والبراوي والشيخ أحمد رزة والشيخ عطية الأجهوري، وأنجب في الأصول والفروع الفقهية، وتصدر ودرس وانقطع والإفتاء والقضاء بين المتخاصمين من أهل القرى للإفادة، وأكثرهم من أهل بلاده، وكان لا يفارق محل درسه بالأزهر من الشروق إلى الغروب. وانفرد بالإفتاء مدة طويلة على مذهبه وقلما يرى فتوى وليس عليها جوابه. ولم يزل هذا دأبه حتى تعلل أياماً، وتوفي ثالث ربيع الثاني من السنة. ومات أحد أذكياء العصر ونجباء الدهر، من جمع متفرقات الفضائل وحاز أنواع الفواضل، الصالح الرحلة الشيخ علي بن محمد الجزائرلي المعروف بابن الترجمان، ولد بالجزائر سنة 1100، وكان ينتمي إلى الشرف وزاحم العلماء بمناكبه في تحصيل أنواع العلومن وأجازه الشيخ سيدي محمد المنور التلمساني رحمه الله، ودخل الروم مراراً وحظي بأرباب الدولة، وأتى إلى مصر وابتنى بها داراً حسنة قرب الأزهر، وكان يخبرعن نفسه أنه لا يستغني عن الجماع في كل يوم، فلذلك ما كان يخلو عن امرأة أو اثنتين حتى في أسفاره. ولما ورد الأمير أحمد آغا أميناً على دار الضرب بمصر المحروسة الذي صار فيما بعد باشا، كان مختصاً بصحبته لا يفارقه ليلاً ولا نهاراً وله عليه إغداقات جميلة، وهو حسن العشرة يعرف في لسانهم قليلاً، وتوجه إلى دار السلطنة وكانت إذا ذاك حركة السفر إلى الجهاد كتب هذا عرضحالاً إلى السلطان مصطفى صورته: إن من قرأ استغاثة أبي مدين الغوت في صف الجهاد حصلت النصرة. وقدمه إلى السلطان فاستحسن أن يكون صاحب هذا العرض هو الذي يتوجه بنفسه ويقرأ هذه الاستغاثة تبركاً، ففاجئه الأمر من حيث لا يحتسب وأخذ في الحال وكتب مع المجاهدين وتوجه رغماً عن أنفه، ووصل إلى معسكر المسلمين وصار يقرأ فقدر الله الهزيمة على المسلمين لسوء تدبير أمراء العسكر، فأسر مع من أسر وذهب به إلى بلاد موسقو، وبقي أسيراً مدة ولم يغثه أحد بخلاصه منهم لاشتغال الناس بما هو أهم، حتى توفي هناك شهيداً غريباً في هذه السنة رحمه الله. ومات الشيخ الصالح العلامة علي الفيومي المالكي شيخ رواق أهل بلاده، حضر دروس الشيخ إبراهيم الفيومي وشيخنا الشي علي الصعيدي ودرس برواقهم وكان سريع الإدراك متين الفهم، له في علم الكلام باع طويل. وتزوج ابنة الشيخ أحمد الحماقي الحنفي، وتوفى ثاني شهر رمضان من السنة ودفن بالمجاورين. ومات الشيخ الفاضل الصالح علي الشبيني الشافعي نزيل جرجا، قرأ على جماعة من مشايخ عصره وتكمل في العربية والفقه، وتوجه إلى الصعيد فخالط أولاد تمام من الهوارة في بيج القرمون أحبوه وسكن عندهم مدة، ثم سكن جرجا. وكان يتردد أحياناً إلى مصر، وكان كثير الاجتماع بصهرنا علي أفندي درويش المكتب، وكان يحكي لي عنه أشياء كثيرة من مآثره من الصلاح والعلم وحسن المعشرة ومعرفة التجويد ووجوه القراءات. فلما تغيرت أحوال الصعيد أتى المترجم إلى مصر وكان حسن المذاكرة والمرافقة مع مداومة الذكر وتلاوة القرآن غالباً. توفي تاسع عشر رمضان في بيت بعض أحبابه بعلة البطن، وصلى عليه الشيخ أحمد بن محمد الراشدي ودفن بالمجاورين. ومات العمدة الفاضل اللغوي الماهر المنشئ الأديب الشيخ عبد الله بن منصور التلباني الشافعي المعروف بكاتب المقاطعة وهو بن أخت الشيخ المعمر أحمد بن شعبان الزعبلي ولد سنة 1098 تقريباً، وأدرك الطبقة الأولى من الشيوخ العزيزي والعشماوي والنفراوي. وكانت له معرفة تامة بعلم اللغة والقراءة، واقتنى كتباً نفيسة في سائر الفنون، وكان سموحاً بإعارتها لأهلها، وكان يعرف مظنات المسائل في الكتب. وكان الأشياخ يجلونه ويعرفونه مقامه، ولما دخل الشيخ ابن الطيب أحبه واغتبط به وبصحبته، وحصل حاشيته على القاموس في مجلدين حافلين استكتاباً، وقرظ على شرح البديعة لعلي بن تاج الدين القلعي ذكر فيه من نوع وسع الاطلاع له. ولم يزل حتى فاجأته المنون في ثالث عشرين شعبان من السنة، وصلي عليه بالجامع الأزهر، ودفن شرقي مقام سيدي عبد الله المتوفى بالمجاورين رحمه الله. ومات الأمير الجليل إبراهيم أفندي الهياتم جمليان مطعوناً في نهار الأربع ثالث عشرين المحرم من السنة. .سنة ست وثمانين ومائة وألف: .من مات في هذه السنة من العظماء: ومات الفقيه المفنن العلامة الشيخ علي بن شمي الدين بن محمد بن زهران بن علي الشافعي الرشيدي الشهير بالخضري، ولد بالثغر سنة أربع وعشرين، وأمه آمنة بنت الحاج عامر بن أحمد العراقي، وأمها صالحة بنت الشريف الحاج علي زعيتر أحد أعيان التجار برشيد، حفظ المترجم الزبد والخلاصة وسبيل السعادة والمنهج إلى الديات والجزرية والجوهرة، وسمع علي الشيخ يوسف القشاشي الجزرية وابن عقيل والقطر وعلى الشيخ عبد الله بن مرعي الشافعي في شوال سنة إحدى وأربعين، جمع الجوامع والمنهج وألقى منه دروساً بحضرته، ومختضر السعد واللقاني على جوهرته، وشرح ابنه عبد السلام والمناوي على الشمائل والبخاري وابن حجر على الأربعين والمواهب وعلى الشمس محمد بن عمر الزهيري معظم البخاري دراية، والمواهب وابن عقيل والأشموني على الخلاصة وجمع الجوامع والمصنف على أم البراهين ونصف الغفراوي على الرسالة والبيضاوي إلى قوله تعالى وإذا وقع القول فكلمه بعد موته. وفي سنة ثمان وثلاثين وفد على الثغر الشيخ عطية الأجهوري فقرأ عليه العصام في الاستعارات مع الحفيد، وعلى الشيخ محمد الأدكاوي شرح السيطوي على الخلاصة والشنشوري على الرحبية والتحرير لشيخ الإسلام، ثم قدم الجامع الأزهر سنة ثلاث وأربعين فجاور ثلاث سنوات، فسمع علي الشيخ مصطفى العزيزي شرح المنهج مرتين والخطيب والشمائل وأجازه بالإفتاء والتدريس في رجب سنة ست وأربعين، وكان به باراً رحيماً شفوقاً بمنزلة الوالد حتى بعد الوفاة: وجرت له معه وقائع كثيرة تدل على حسن توجهه له دون غيره من الطلبة: وسمع على السيد علي الحنفي الضرير الأشموني وجمع الجوامع والمغني وبعض المنفرجة والقسطلاني على البخارى وتصرف العزى وعلى الشمس محمد الدلجي المغني كله قراءة بحث والخطيب وجمع الجوامع، وعلى الشيخ علي قايتباي الخطيب فقط، وعلى الشيخ الحفني الخطيب والمنهج وجمع الجوامع والأشموني ومختصر السعد وألفية المصطلح ومعراج الغيطي، وعلى أخيه الشيخ يوسف الأشموني والمختصر ورسالة الوضع، وعلى الشيخ عطية الأجهوري المنهج والمختصر والسلم، وعلى أحمد الشبراملسي الشافعي المختصر والتجرير وبعض العصام ومنظومة في أقسام الحديث الضعيف، وعلى الشيخ محمد السجيني الشمائل وموضع من المنهج، وأجازه الشيخ الشبراوي بالكتب الستة بعد أن سمع عليه بعضاً منها، ورجع عن فتواه مرتين في وقفين، وعلى الشيخ أحمد بن سابق الزعبلي النمهج كله مرتين، وعلى الشيخ أحمد المكودى كبرى السنوسي وبعض مختصره دراية، وعلى الشيخ محمد المنور التلمساني شيخ المكودى المذكور أم البراهين دراية، وعلى الشيخ أحمد العماوى المالكي بعض سنن أبي داود وجمع الجوامع والمغني والأزهرية. ولما رجع إلى الثغر لازم الشيخ شمس الدين الغوى خطيب جامع المحلي فسرد عليه معظم متن الزبد والنمهج وشرحه والشنشورى ومتن العباب وهو الذي عرفه به وبطريق تركيب الفتاوى أسئلة وأجوبة. وكان يقول: لا بد للمبتلي بالإفتاء من العباب لوضوحه واستيعابه. وأجازه الشيخ شلبي البرلسي والشيخ عبد الدائم بن أحمد المالكي وأحمد بن أحمد بن قاسم الوني. وله مؤلفات جليلة منها شرح لقطة العجلان وحاشية على شرح الأربعين النووية للشبشيرى أجاد فيها كل الإجادة، وقد رأيت كلاً منهما بالثغر عند ولده السيد أحمد، توفي في خامس عشرين شعبان من السنة. ومات الشاب الصالح والنجيب الأريب الفالح العلامة المستعد النبيه الذكي الشيخ محمد بن عبد الواحد بن عبد الخالق البناني، أبوه وجده وعمه من أعيان التجار والثروة بمصر، نشأ في عفة وصلاح وحفظ القرآن والمتون وحبب إليه طلب العلم فتقشف لذلك وتجرد ولازم الحضور والطلب، ودأب واجتهد في التحصيل وسهر الليل، وكان له حافظة جيدة وفهم حاد وقوة استعدادية وقابلية، فأدرك في الزمن اليسير ما لم يدركه غيره في الزمن الكثير، ولازم شيخنا الشيخ محمد الجناجي المعروف بالشافعي ملازمة كلية وتلقى عنه غالب تحصيله في الفقه والمعقول والمنطق والاستعارات والمعاني والبيان والفرائض والحساب وشباك ابن الهاثم وغير ذلك، وحضر دروس الشيخ الصعيدي والدردير وغيرهم حتى مهر وأنجب ودرس واشتهر بالفضل وعمل الختوم، وحضره أشياخ العصر وشهدوا بفضله وغزارة علمه وانتظم في عداد أكابر المحصلين والمفيدين والمستفيدين، ولم يزل هذا حاله حتى وافاه الحمام وانمحق بدره عند التمام، ومات مطعوناً في هذه السنة وهو مقتبل الشبيبة لم يجاوز الثلاثين عوضه الله الجنة، وهو ابن عم الإمام العلامة الشيخ مصطفى بن محمد بن عبد الخالق من أعيان العلماء المشاهير بمصر الآن بارك الله فيه. ومات الفقيه الفاضل المحقق الشيخ أحمد بن أحمد الحمامي الشافعي الأزهري، ولد بمصر واشتغل بالعلم من صغره ومال بكليته إليه وحبب إليه مجالسة أهله، فلازم الشيخ عيسى البراوى حتى مهر وتفقه عليه، وحضر دروس الشمس الحفني والشيخ علي الصعيدى وغيرهما، وأجازوه، وحج في سنة خمس وثمانين مرافقاً لشيخنا الشيخ مصطفى الطائي، ورجعا إلى مصر وتصدر للتدريس والإفتاء في حياة شيوخه، ودرس وأفاد. وكان أكثر ملازمته لزاوية الشيخ الخضرى، ويقرأ درساً بالصرغتمشية، وانتفع به جماعة وله حاشية على الشيخ عبد السلام مفيدة وأخرى على الجامع الصغير للسيوطي لم تتم، وكان ذا صلاح وروع وخشية من الله وسكون ووقار. توفي يوم الأربعاء تاسع ربيع الأول من السنة ودفن ثاني يوم بمشهد عظيم بالقرب من السادة المالكية. ومات الإمام الصوفي العارف المعمر الشيخ علي بن محمد بن محمد بن أحمد بن عبد القدوس ابن القطب شمس الدين محمد الشناوى الروحي الأحمدى المعروف ببندق، ولد قبل القرن وأخذ عن عميه محمد العالم وعلي المصري، وهما عن عمهما الشمس محمد بن عبد القدوس الشهير بالدناطي، عن ابن عمه الشهاب الخامي، ومسكنهم بمحلة روح وهو شيخ مشايخ الأحمدية في عصره. وانتهت إليه الرياسة في زمنه وعاش كثيراً حتى جاوز المائة ممتعاً بالحواس، وكان له خلوة في سطح منزله ولها كوة مستقبلة طندتا، بين يديها فضاء واسع يرى منها آثار طندتا وهو مستقبل القبلة في حال جلوسه ونومه ونظره إلى تلك الكوة. وأخبرني أولاده أنه هكذا هو مستمر على هذه الطريقة من مدة طويلة. توفي في أوائل جمادى الأولى من السنة، واجتمع بمشهده غالب أهل البلاد من المشايخ والأعيان والصلحاء من الآفاق، والسيد محمد مجاهد الأحمدي والشيخ محمد الموجه والسيد أحمد تقي الدين وغيرهم، ودفن عند أسلافه بمحلة روح. ومات الأمير خليل بك ابن إبراهيم بك بلفيا تقلد الإمارة والصنجقية بعد موت والده وفتح بيتهم وأحيا ما آثرهم، وكان أهلاً للإمارة ومحلاً للرئاسة، وتقلد إمارة الحج في سنة إحدى وثمانين، ورجع في أمن وسخاء وطلع أيضاً في السنة الثانية ومات بالحجاز ورجع بالحج أخوه عبد الرحمن أغا بلفيا. ومات الأجل المكرم الرئيس محمد تابع المرحوم محمد أوده باشه طبال مستحفظان ميسو الجداوي، وهو زوج الجدة أم المرحوم الولد تزوج بها بعد موت الجد في سنة 1114، وقطن بها ببندر جدة وأولدها حسيناً ومحمداً، وتوفي سنة أربع وخمسين عن ولديه المذكورين وأخيهما محمود من أبيهما وعتقائه ومنهم المترجم قرباه ابن سيدة وهو العم حسين، فأنجب وعانى التجارة ورئاسة المراكب الكبار ببحر القلزم حتى صار من أعيان النواخيد الكبار، واشتهر صيته وذكره وكثر ماله وبنى داراً بمصر بجوار المدارس الصالحية واشترى المماليك والعبيد والجواري، وصار له دار بمصر وبجدة، ولم يزل حتى توفي بالشام وهو راجع إلى مصر، ووصل نعيه في سابع عشرين ربيع الثاني رحمه الله. ومات الخواجا الصالح المعمر الحاج محمد بن عبد العزيز البنداري وكان إنساناً حسناً وهو الذي عمر العمارة والمساكن بطندتا واشتهرت به. توفي في غرة ربيع أول بعد تعلل رحمه الله تعالى.
|